لودفيغ فتغنشتاين
رسالة إلى محرر ”Mind“
ترجمة: مروان محمود
مقدمة المترجم
يمكن قراءة هذه الرسالة في سياق التحول الفكري الذي خاضه فتغنشتاين في الفترة الممتدة من 1929 (عودته إلى كامبريدج والفلسفة من جديد) وحتى 1936. كما يمكن عدّ الظروف التي أحاطت بكتابة هذه الرسالة من العوامل الكثيرة والمعقدة التي ساهمت وعجلت في إنجاز هذا التحول. في 22 مارس عام 1933، وقبل شهرين تقريبًا من رسالة فتغنشتاين الشهيرة إلى محرر مجلة Mind، قرأت الفيلسوفة البريطانية سوزان ستيبينغ Susan Stebbing ورقتها المعنونة بـ"الوضعية المنطقية والتحليل Logical Positivism and Analysis" أمام الأكاديمية البريطانية، ونُشرت بعد ذلك بفترة قصيرة.
استفادت ستيبنغ من ورقة الفيلسوف البريطاني ريتشارد برايثويت Richard Braithwaite، المعنونة بـ "Philosophy"، والتي يشير إليها فتغنشتاين في رسالته، وقرأتها قبل أن تُنشَر واستعملت أفكارها في نقد رؤى فتغنشتاين. كان النقد الأبرز لدى برايثويت وستيبنغ هو اعتبار أن أفكار فتغنشتاين تقود إلى "الأنا وحدية Solipsism".
ليس ثمة دليل على أن فتغنشتاين قد قرأ ورقة ستيبنغ، ولكن من الممكن جدًا وصول فكرة الورقة له من خلال طلابه والأصدقاء، كما أنه يقينًا طالع ورقة برايثويت. لذا من الممكن ترجيح فكرة أن فتغنشتاين قصد في رسالته ستيبنغ وبرايثويت، على الرغم من عدم ذكر اسمها صراحة. وهكذا، كان ردّه المباشر على ورقتي برايثويت وستيبنغ رفضه فهمهما لفلسفته وتحذير القراء من الحكم على أفكاره وفقًا لهاتين الورقتين؛ ذلك عبر الرسالة إلى محرر Mind، التي نقدم ترجمتها إلى العربية للمرة الأولى، وهي من النصوص المعدودة التي نشرها فتغنشتاين في حياته.
من الملاحظ أن فتغنشتاين بدأ طريقًا مختلفًا، يمكن تتبعه في محاضراته في كامبريدج، بعد ما نُشر من قبل برايثويت وستيبنغ، وكأنه كان يردّ تحديدًا على الانتقادات التي تلقاها. إذ ناقش قضية الأنا وحدية، واللغة الخاصة، وغيرها من القضايا، وقادته تلك المحاولات بالتدريج إلى كتابه تحقيقات فلسفية.
لودفيغ فتغنشتاين
رسالة إلى محرر ”Mind“
سيدي العزيز،
طالعت مقالة السيد برايثويت المنشورة في كتاب دراسات جامعة كامبريدج Cambridge University Studies[1]، الصادر مؤخرًا، وانتابني قلق، وخاصة فيما يتعلق بالرؤى المعروضة في المقالة بوصفها الرؤى الحالية لي في المسائل الفلسفية. أجريت، على مدى السنوات الأربع الماضية، بحثي في الفلسفة، ولكنني لم أنشر أي عمل خاص بي، باستثناء مقالة قصيرة (وضعيفة)، نشرتها بداية هذه المرحلة، في جلسات الجمعية الأرسطية Proceedings of the Aristotelian Society[2].
والآن، لو كنت قد نشرت أفكاري مطبوعة لما اضطررت لإزعاجك بهذه الرسالة؛ لأنه حينها سيتمكن أي قارئ جاد من أن يتحقق من أفكاري في منشوراتي الخاصة. لكن في الظرف الحالي، إذا كان هذا القارئ مهتمًا بما أعتقده، فإن مصدره الوحيد سيكون ما كتبه السيد برايثويت. وعليه، يتعين علي تنبيه هذا القارئ على أنني أخلي مسؤوليتي من الرؤى والأفكار التي نسبها لي السيد برايثويت؛ إذ يمكن عدّ جزء مما نشره تمثيلاً غير دقيق لأفكاري، وتعارض، في مواضع أخرى، ما كتبه، على نحو واضح، معها.
ما يعيقني عن نشر عملي، إضافة إلى صعوبة تقديمه في شكل واضح ومتّسق، سيمنعني، بداهة، عن إيضاح أفكاري في نطاق هذه الرسالة. لذا، على القارئ أن يعلّق حكمه عليها.
مع خالص الاحترام،
لودفيغ فتغنشتاين.
كامبريدج.
27 مايو 1933.
This translation was made available on this website thanks to the cooperation with مشروع لودفيغ فتغنشتاين (Ludwig Wittgenstein Project)